image image

الشعور بعدم الوجود: اضطراب الاغتراب عن الواقع وتبدد الشخصية

الشعور بعدم الوجود: اضطراب الاغتراب عن الواقع وتبدد الشخصية

image
يُعدّ الشعور بعدم الوجود أحد أكثر الأعراض النفسية إرباكًا للمريض والمحيطين به، ويُصنّف في الطب النفسي اضطراب الاغتراب عن الواقع وتبدد الشخصية.  في هذه الحالات، يشعر الفرد كأنه منفصل عن ذاته أو عن العالم من حوله، وكأن الأحداث تحدث في فيلم أو وكأنه يراقب نفسه من الخارج دون أن يكون مشاركًا فعليًا. يفقد الشخص الإحساس الطبيعي بالهوية أو التفاعل مع البيئة، وقد يصف نفسه بأنه “آلي” أو “فارغ” أو “غير حقيقي”. على الرغم من أن الإدراك العقلي يبقى سليمًا، إلا أن التجربة تكون مشوشة ومقلقة بشدة، وقد تظهر كعرض عابر نتيجة التوتر أو كجزء من اضطرابات أكبر كاضطراب القلق، الاكتئاب، أو حتى كاضطراب مستقل. التعامل مع هذه الحالة يتطلب فهمًا دقيقًا للآليات النفسية والبيولوجية التي تحكم الإحساس بالذات والواقع، إلى جانب تدخلات علاجية دقيقة تعيد للفرد شعوره بالتماسك والاتصال بالعالم من حوله.

ماهو تبدد الشخصية؟

تبدد الشخصية هو اضطراب في الإدراك الذاتي يشعر فيه الفرد بانفصال أو اغتراب عن نفسه، كأنه يراقب أفكاره أو جسده من الخارج دون أن يكون جزءًا منها. يوصف هذا الشعور أحيانًا بأنه “فقدان للألفة مع الذات”، حيث يبدو للشخص أن مشاعره، حركاته، أو حتى صوته ليسوا ملكه، أو أنهم يحدثون بشكل آلي. على الرغم من أن الشخص يكون مدركًا تمامًا لعدم واقعية هذه التجربة، فإن الإحساس بالانفصال يظل قويًا ومزعجًا. غالبًا ما يُرافق هذا الاضطراب مشاعر القلق، والفراغ العاطفي، وصعوبة في التفاعل مع الواقع أو اتخاذ القرارات اليومية، وقد يظهر بشكل مؤقت كرد فعل لضغط شديد، أو يستمر كحالة مزمنة ضمن طيف اضطرابات القلق أو اضطراب تبدد الشخصية والانفصال.
ماهو تبدد الشخصية؟

ماهو تبدد الشخصية؟

أسباب تبدد الشخصية:

ترتبط أسباب تبدد الشخصية عادة بعدة عوامل نفسية وبيولوجية معقدة، وغالبًا ما يكون الاضطراب استجابة دفاعية من العقل في مواجهة ضغوط نفسية شديدة أو تجارب صادمة. كثير من الحالات ترتبط بتجارب مؤلمة في الطفولة مثل الإهمال العاطفي أو الإساءة الجسدية أو النفسية، أو التعرض لصدمة مفاجئة مثل فقدان شخص عزيز أو حادث عنيف. في مثل هذه الظروف، يقوم الدماغ بآلية فصل كطريقة لحماية النفس من الألم النفسي، مما يؤدي إلى شعور الشخص وكأنه منفصل عن ذاته. إلى جانب العوامل النفسية، تشير بعض الدراسات إلى وجود خلل في مناطق معينة من الدماغ، مثل الفص الصدغي والفص الجبهي، والتي تلعب دورًا في إدراك الذات وتنظيم المشاعر. كذلك، قد تساهم اضطرابات كيمياء الدماغ، خاصة تلك المرتبطة بناقلات عصبية مثل السيروتونين والدوبامين، في ظهور الأعراض. كما لوحظ أن تبدد الشخصية قد يظهر كمرافق لاضطرابات أخرى مثل القلق العام، اضطراب الهلع، الاكتئاب، أو حتى كعرض جانبي لبعض الأدوية أو تعاطي المخدرات، خاصة المهلوسات.

أعراض تبدد الشخصية:

تتسم أعراض تبدد الشخصية بشعور مزمن أو متكرر بالانفصال عن الذات، حيث يشعر الشخص كأنه يراقب نفسه من الخارج أو أن جسده أو صوته، أو مشاعره ليست مألوفة له. قد يصف المريض إحساسًا بأنه “لا يشعر بشيء” أو أن كل شيء يحدث بطريقة آلية وخالية من التفاعل العاطفي. تشمل الأعراض أيضًا تشوش الإدراك الزمني، كأن الوقت يمر ببطء أو بسرعة غير طبيعية، وصعوبة في تذكر التفاصيل الشخصية أو الشعور بالانتماء للهوية الذاتية. ورغم شدة هذه الأعراض، فإن الشخص يبقى مدركًا أنها غير حقيقية، وهو ما يميزها عن الأعراض الذهانية. كثيرًا ما يصاحب هذه الحالة قلق حاد، ارتباك، واكتئاب، ما يزيد من معاناة المريض ويؤثر على جودة حياته اليومية وعلاقاته الاجتماعية.

مضاعفات تبدد الشخصية:

رغم أن تبدد الشخصية لا يُعد في حد ذاته خطرًا على الحياة، إلا أن استمراره دون علاج قد يؤدي إلى مضاعفات نفسية واجتماعية مؤثرة. من أبرزها تطور مشاعر العزلة الشديدة، فقدان الإحساس بالهوية، وتدهور العلاقات الشخصية بسبب صعوبة التعبير عن المشاعر أو التواصل بشكل طبيعي. كما قد يؤدي الشعور المستمر بالانفصال وفقدان الواقعية إلى نوبات قلق حادة، اكتئاب مزمن، أو حتى أفكار انتحارية نتيجة الإحساس بالعجز واليأس. بعض المرضى قد يتجهون لاستخدام المهدئات أو المخدرات كوسيلة للهروب من الشعور المؤلم، مما يزيد من خطر الإدمان وتفاقم الأعراض. لذا، فإن التشخيص المبكر والعلاج النفسي المناسب يلعبان دورًا حاسمًا في تجنب هذه المضاعفات وتحسين نوعية حياة المريض.

هل تبدد الشخصية مرض نفسي؟

نعم، يُعدّ تبدد الشخصية اضطرابًا نفسيًا معترفًا به في التصنيفات الطبية العالمية مثل الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية  (DSM-5)، ويُعرف باسم “اضطراب تبدد الشخصية /الاغتراب عن الواقع”. يُصنّف ضمن اضطرابات الانفصال  (Dissociative Disorders)، ويتميّز بوجود مشاعر مزمنة أو متكررة من الانفصال عن الذات أو البيئة المحيطة، مع بقاء الشخص مدركًا أن هذه التجارب غير حقيقية. وعلى الرغم من أن تبدد الشخصية قد يظهر كعرض عابر عند بعض الأشخاص في مواقف شديدة التوتر، إلا أنه يُعدّ مرضًا نفسيًا عندما يكون مستمرًا، مؤثرًا على الأداء اليومي، ومصحوبًا بالضيق النفسي. تشخيصه يتطلب تقييمًا دقيقًا من أخصائي نفسي أو طبيب نفسي للتفرقة بينه وبين حالات مشابهة مثل الذهان أو اضطرابات القلق.

هل تبدد الشخصية وراثي؟

لا يُعتبر تبدد الشخصية اضطرابًا وراثيًا بشكل مباشر، لكنه قد يكون مرتبطًا بعوامل جينية تُسهم في زيادة القابلية للإصابة باضطرابات القلق أو الاكتئاب، وهي حالات يُمكن أن ترتبط بتبدد الشخصية. بمعنى آخر، وجود تاريخ عائلي لاضطرابات نفسية قد يزيد من احتمالية ظهور الأعراض، لكن العامل الوراثي ليس السبب الوحيد أو الأساسي. البيئة، ونمط التربية، والتعرض لصدمات نفسية تلعب دورًا أكبر في نشوء الاضطراب.

هل تبدد الشخصية خطير؟

من الناحية الطبية، تبدد الشخصية لا يُعدّ خطيرًا في حد ذاته لأنه لا يسبب فقدانًا تامًا للعقل أو القدرة على التمييز بين الواقع والخيال. ومع ذلك، يمكن أن يكون مؤلمًا نفسيًا بدرجة كبيرة، وقد يؤدي إلى مشاعر الاكتئاب،أو العزلة، أو حتى التفكير في الانتحار إذا استمر دون تدخل. لذلك، تكمن خطورته في الأثر النفسي العميق الذي يتركه على حياة الفرد اليومية إذا تُرك دون علاج مناسب.

علاج اضطراب الاغتراب عن الواقع وتبدد الشخصية

يعتمد علاج اضطراب تبدد الشخصية والاغتراب عن الواقع على مزيج من العلاج النفسي والدعم الدوائي عند الحاجة. يُعد العلاج المعرفي السلوكي (CBT) من أكثر الأساليب فعالية، حيث يساعد الشخص على فهم وتفكيك الأفكار المشوهة المرتبطة بالانفصال. في بعض الحالات، تُستخدم مضادات الاكتئاب أو مضادات القلق إذا كان الاضطراب مصحوبًا بحالات نفسية أخرى. العلاج يحتاج إلى صبر واستمرارية، وغالبًا ما يكون التحسن تدريجيًا مع الوقت.

هل تبدد الشخصية ينتكس بعد العلاج؟

نعم، في بعض الحالات قد تعود الأعراض بعد فترة من التحسن، خاصة إذا لم تُعالج الأسباب الجذرية مثل القلق المزمن أو التوتر المستمر. كما أن التعرض لصدمات جديدة أو ضغوط نفسية قوية قد يُعيد تنشيط الأعراض. لذلك، من المهم الاستمرار في العلاج، حتى بعد التحسن، من خلال المتابعة النفسية، وتعلم مهارات التأقلم، والابتعاد عن المحفزات التي قد تثير الانتكاسة.  نصائح لتجاوز تبدد الشخصية لتجاوز أعراض تبدد الشخصية، من المهم أولًا تقبّل الحالة دون فزع، وفهم أنها غير خطيرة وليست دلالة على الجنون. يُنصح بالتركيز على الأنشطة مثل التمارين والكتابة اليومية، لأنها تعزز الإحساس بالذات. الانتظام في النوم، وتناول الطعام الصحي، والابتعاد عن الكافيين والمخدرات، كلها عوامل مساعدة. كذلك، يُفضل تجنب العزلة، والتحدث مع أخصائي نفسي يمكن أن يساعد في بناء أدوات فعالة للتعامل مع الأعراض تدريجيًا.
 نصائح لتجاوز تبدد الشخصية

نصائح لتجاوز تبدد الشخصية

شارك معنا :

موضوعات قد تهمك

image

ما هو اضطراب تشوه ...

اضطراب تشوه الجسم هو أحد الاضطرابات النفسية التي ينشغل فيها الشخص بشكل مفرط بعيبٍ يراه في مظهره الجسدي، وقد يكون ...

اقرأ المزيد
image

هل الكاثينون يسبب الذهان؟ ...

الكاثينون هو أحد المواد المنبهة التي تؤثر بشكل مباشر على الجهاز العصبي المركزي، ويُستخلص أساسًا من نبات القات، كما يمكن ...

اقرأ المزيد
image

تعب بلا سبب .. ...

بعض الأشخاص قد يشعرون بإرهاقٍ لا يزول حتى بعد نومٍ طويل أو الحصول على راحةٍ تامة، وقد يستمر هذا الشعور ...

اقرأ المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *