اضطراب الهوية التفارقي (Dissociative Identity Disorder – DID) هو أحد الاضطرابات النفسية المعقدة التي تتميز بوجود هويات أو شخصيات متعددة داخل الفرد نفسه، حيث يكون لكل هوية نمطها الفريد من التفكير والسلوك والذاكرة. يُعرف هذا الاضطراب سابقًا باسم اضطراب الشخصية المتعددة، ويحدث نتيجة آليات تفكك نفسية يستخدمها العقل كوسيلة للتكيف مع الصدمات الشديدة، خاصة تلك التي تحدث في الطفولة مثل سوء المعاملة أو الإهمال. ويؤدي هذا التفكك إلى فقدان الترابط الطبيعي بين الذاكرة والوعي والهوية، مما يجعل الشخص غير قادر على استرجاع بعض الذكريات أو التحكم في تنقلاته بين الشخصيات المختلفة. إليكم كل التفاصيل حول اضطراب الهوية التفارقي: الأعراض والأسباب والعلاج.
ما هو اضطراب الهوية التفارقي؟

ما هو اضطراب الهوية التفارقي؟
اضطراب الهوية التفارقي (Dissociative Identity Disorder – DID) هو اضطراب نفسي يتسم بوجود شخصيتين أو أكثر داخل الفرد نفسه، بحيث تتناوب هذه الشخصيات في التحكم بسلوك الشخص وأفكاره ووعيه. يتميز الاضطراب بحدوث فجوات في الذاكرة لا يمكن تفسيرها بالنسيان العادي، حيث قد لا يتذكر المصاب أحداثًا أو معلومات شخصية عند انتقاله من شخصية إلى أخرى. يُعتقد أن هذا الاضطراب ينشأ نتيجة التعرض لصدمات نفسية شديدة، خاصة في الطفولة، مثل سوء المعاملة الجسدية أو العاطفية أو الجنسية، مما يدفع العقل إلى تبني آليات تفكك لحماية الذات من الألم النفسي.
تختلف الشخصيات المتعددة في صفاتها وسلوكياتها وقد تمتلك أسماءً وهويات منفصلة، وأحيانًا حتى اختلافات في العمر والجنس واللهجة. قد يعاني المصابون أيضًا من اضطرابات أخرى مثل القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة. يؤثر اضطراب الهوية التفارقي بشكل كبير على حياة الشخص اليومية وعلاقاته الاجتماعية والمهنية. يعتمد العلاج على جلسات العلاج النفسي، خاصة العلاج السلوكي المعرفي لمساعدة المريض على فهم الصدمة التي أدت إلى التفكك وتعزيز التكامل بين الشخصيات المختلفة.
أعراض اضطراب الهوية التفارقي:
تتعدد أعراض اضطراب الهوية التفارقي وتظهر بشكل رئيسي في وجود شخصيات متعددة داخل الفرد نفسه، حيث تتناوب هذه الشخصيات في الظهور والسيطرة على السلوك والوعي. غالبًا ما يكون لكل شخصية اسم وعمر وصفات مميزة، وقد تختلف الشخصيات في نبرة الصوت، أسلوب الكلام، وحتى المعتقدات والعادات. من أبرز الأعراض هو الشعور بفقدان السيطرة على الذات، حيث قد يجد الشخص نفسه يتصرف أو يتحدث بطريقة غير مألوفة دون أن يتذكر ذلك لاحقًا. يحدث أيضًا فقدان للذاكرة (Amnesia) بين الانتقالات، مما يؤدي إلى فجوات في الذاكرة المتعلقة بالأحداث اليومية، أو المعلومات الشخصية، أو حتى المهارات التي يمتلكها الشخص.
بالإضافة إلى التبديل بين الشخصيات، يعاني المصابون باضطراب الهوية التفارقي من اضطرابات إدراكية مثل الشعور بالانفصال عن الذات (Depersonalization) أو الإحساس بأن العالم من حولهم غير واقعي (Derealization). قد يشعر المريض وكأنه يشاهد نفسه من الخارج أو أن جسده ليس ملكًا له. كما يمكن أن تظهر أعراض جسدية غير مفسرة طبيًا مثل الصداع المزمن، تغييرات مفاجئة في الرؤية، أو اضطرابات في الإحساس بالألم. يعاني الكثير من المصابين من القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، مما يزيد من تعقيد الحالة وصعوبة التشخيص.
تؤثر هذه الأعراض بشكل كبير على الحياة اليومية للمريض، حيث قد يواجه صعوبة في الحفاظ على العلاقات الاجتماعية أو الوظائف بسبب التقلبات المزاجية والسلوكية غير المتوقعة. كما أن بعض الشخصيات قد تكون عدائية أو متهورة، مما يعرض المصاب لمواقف خطيرة. من الشائع أيضًا أن يشعر المرضى بالخجل أو الخوف من وصمة العار المرتبطة بحالتهم، مما قد يمنعهم من طلب المساعدة. يتطلب التعامل مع هذه الأعراض رعاية نفسية متخصصة، حيث يهدف العلاج إلى تعزيز التواصل بين الشخصيات المختلفة وتقليل الانفصال بينها لتحقيق توازن نفسي أفضل.
أسباب اضطراب الهوية التفارقي:
يرتبط اضطراب الهوية التفارقي بشكل رئيسي بالتعرض لصدمات نفسية شديدة خلال مرحلة الطفولة، خاصة تلك المرتبطة بالإيذاء الجسدي أو العاطفي أو الجنسي، أو الإهمال الشديد. عندما يواجه الطفل تجارب تفوق قدرته على التحمل، يلجأ العقل إلى آليات تفكك دفاعية لفصل الوعي عن الألم النفسي، مما يؤدي إلى نشوء شخصيات مختلفة تتولى التعامل مع الصدمة بطرق متباينة. كما قد تلعب العوامل البيئية، مثل العيش في بيئة غير مستقرة أو التعرض لصدمات متكررة، دورًا في تعزيز هذا الاضطراب. بالإضافة إلى ذلك، يُعتقد أن هناك عوامل وراثية وبيولوجية قد تجعل بعض الأفراد أكثر عرضة لتطوير هذا النمط من الانفصال النفسي، خاصة إذا كان هناك تاريخ عائلي للاضطرابات التفارقية أو اضطرابات ما بعد الصدمة.
الفرق بين اضطراب الهوية التفارقي والفصام:
على الرغم من أن اضطراب الهوية التفارقي والفصام هما حالتان نفسيّتان معقدتان، إلا أنهما يختلفان بشكل جوهري في طبيعة الأعراض والأسباب. اضطراب الهوية التفارقي يتميز بوجود شخصيات متعددة داخل الفرد نفسه، حيث تتناوب هذه الشخصيات في الظهور، وغالبًا ما يكون هناك فقدان للذاكرة بين كل شخصية وأخرى. ينشأ هذا الاضطراب عادةً نتيجة صدمات نفسية شديدة في الطفولة، ويعد اضطرابًا تفككيًا يؤثر على الهوية والذاكرة والوعي. في المقابل، لا يعاني مرضى اضطراب الهوية التفارقي من الهلاوس أو الأوهام بشكل أساسي، بل يتمثل التحدي الرئيسي لديهم في فقدان الترابط بين الشخصيات المختلفة.
أما الفصام، فهو اضطراب ذهاني يتميز بوجود أعراض مثل الهلاوس السمعية أو البصرية، الأوهام (مثل الاعتقاد بأن هناك مؤامرات ضده)، والتفكير غير المنظم. في الفصام، يواجه المريض صعوبة في التمييز بين الواقع والخيال، ولكنه يحتفظ بهوية واحدة على عكس اضطراب الهوية التفارقي. كما أن الفصام غالبًا ما يرتبط بعوامل وراثية واختلالات كيميائية في الدماغ، بينما يرتبط اضطراب الهوية التفارقي بالصدمات النفسية. من ناحية العلاج، يركز علاج اضطراب الهوية التفارقي على العلاج النفسي والتكامل بين الشخصيات، في حين يتطلب الفصام غالبًا مزيجًا من الأدوية المضادة للذهان والعلاج النفسي للتحكم في الأعراض.
علاج اضطراب الهوية التفارقي:

علاج اضطراب الهوية التفارقي
يعتمد علاج اضطراب الهوية التفارقي بشكل أساسي على العلاج النفسي، الذي يهدف إلى مساعدة المريض على فهم الصدمات التي أدت إلى تفكك هويته والعمل على إعادة دمج الشخصيات المختلفة في وعي موحد. يعد العلاج بالكلام (Psychotherapy) الطريقة الأكثر شيوعًا، حيث يستخدم المعالج تقنيات مثل العلاج السلوكي المعرفي (CBT) والعلاج الديناميكي لفهم جذور الصدمة والتعامل مع المشاعر المرتبطة بها.
بالإضافة إلى العلاج النفسي، يمكن اللجوء إلى العلاج الدوائي لعلاج الأعراض المصاحبة مثل القلق، الاكتئاب، أو اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD). على الرغم من عدم وجود أدوية مخصصة لعلاج اضطراب الهوية التفارقي نفسه، إلا أن مضادات الاكتئاب والأدوية المضادة للقلق يمكن أن تساعد في تخفيف الأعراض النفسية التي تؤثر على حياة المريض اليومية. يُستخدم العلاج الدوائي بحذر، نظرًا لاحتمالية تأثيره بشكل مختلف على الشخصيات المتعددة، مما يستدعي متابعة دقيقة من قبل الطبيب النفسي.
إلى جانب العلاجات التقليدية، يمكن أن تساعد تقنيات الاسترخاء مثل تمارين التنفس العميق في تقليل التوتر وتعزيز الشعور بالاستقرار النفسي. كما أن دعم الأصدقاء والعائلة يلعب دورًا حاسمًا في رحلة العلاج، حيث يساعد المرضى على الشعور بالأمان والتقبل. من المهم أن يكون العلاج طويل الأمد ومستمرًا، حيث يحتاج المريض إلى وقت كافٍ لمعالجة الصدمة والتكيف مع شخصيته الموحدة تدريجيًا. الهدف النهائي للعلاج هو تحقيق التكامل بين الشخصيات المختلفة، مما يساعد المريض على استعادة التحكم في حياته وتقليل التأثير السلبي للاضطراب على أدائه اليومي.
اترك تعليقاً
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *