هل تخيّلت يومًا أن ترى في وجه كل من حولك شخصًا واحدًا يتخفّى خلف وجوهٍ مختلفة؟ هذا هو الواقع المربك الذي يعيشه المصابون بمتلازمة فريجولي، أحد أغرب الاضطرابات النفسية التي تُشوّش على الدماغ قدرته على التعرّف على الوجوه، فتتحوّل الملامح المألوفة إلى مصدر للريبة والخوف. تابع قراءة هذه المقالة لتعرف أكثر عن متلازمة وهم فريجولي وأعراضها وأهم أسبابها وطرق العلاج المناسبة.
ما هي متلازمة وهم فريجولي؟
متلازمة فريجولي، أو وهم فريجولي (Fregoli Delusion)، هي اضطراب نادر من متلازمات سوء التعرّف الوهمي، يعتقد فيه الشخص أن الغرباء أو الأشخاص المختلفين الذين يقابلهم هم في الحقيقة شخص واحد مألوف يتنكر أو يغيّر مظهره باستمرار ليخدعه.
يشعر المصاب وكأنه يعيش في مسرحية؛ إذ يرى من حوله يبدّلون أصواتهم أو أزياءهم ليخفوا هويتهم الحقيقية، ينشأ هذا الوهم نتيجة خلل في قدرة الدماغ على تمييز الوجوه والتعرّف على الأشخاص، مما يسبب ارتباكًا وقلقًا وشعورًا دائمًا بالارتياب.
ترتبط متلازمة وهم فريجولي غالبًا باضطرابات نفسية مثل: الفصام أو اضطرابات المزاج، وقد تظهر أيضًا بعد إصابات دماغية أو مشكلات عصبية، مما يجعلها تؤثر بعمق على التفاعل الاجتماعي ونوعية حياة المريض.

ما هي متلازمة وهم فريجولي
أسباب متلازمة فريجولي
لا يزال السبب الدقيق لمتلازمة وهم فريجولي غير واضح تمامًا نظرًا لندرتها، ولكن الأبحاث تشير إلى أن ظهورها قد يرتبط بتفاعل معقد بين عوامل عصبية ونفسية وبيئية.
العوامل العصبية
- قد تنتج متلازمة وهم فريجولي عن تلف في مناطق معينة من الدماغ مسؤولة عن التعرف على الوجوه وتخزين الذكريات، مثل: الفص الجبهي الأيمن أو الفصين الصدغي والجداري الأيسر.
- كما سُجلت حالات ظهرت بعد إصابات دماغية رضحية، أو كأثر جانبي لبعض الأدوية مثل: ليفودوبا المستخدم في علاج مرض باركنسون.
العوامل النفسية
يمكن أن ترافق متلازمة وهم فريجولي اضطرابات عقلية أخرى، مثل: الفصام أو اضطراب الفصام الوجداني أو الخرف، مما يشير إلى وجود دور نفسي في تطورها.
العوامل البيئية
قد تُحفّز التجارب الصادمة أو الضغوط النفسية الشديدة ظهور الأعراض أو تُفاقمها لدى الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة.
أعراض متلازمة فريجولي
تتجلى متلازمة فريجولي بمجموعة من الأعراض النفسية والسلوكية التي تدور حول وهمٍ أساسي، وهو الاعتقاد بأن الأشخاص المختلفين في المحيط هم في الحقيقة شخص واحد مألوف متخفٍ في أشكال وهيئات متعددة.
من أبرز أعراضها:
- المعتقدات الوهمية: يعتقد المصاب أن أشخاصًا مختلفين هم في الواقع شخص واحد يغيّر مظهره أو يتنكر عمدًا لمراقبته أو إيذائه.
- جنون الارتياب (البارانويا): يشعر المريض بأنه مُلاحَق أو مُراقَب من قبل هذا الشخص المتخفي، وقد يفسّر تصرفات الآخرين على أنها تهديد أو خيانة.
- الارتباك في التعرف على الوجوه: يجد المصاب صعوبة في التمييز بين الغرباء والمعارف، و هو ما يُعرف بأوهام “التمييز الخاطئ”، والتي قد تمتد أحيانًا لتشمل الحيوانات أو الأشياء الجامدة.
- القلق والضيق العاطفي: تُسبب المعتقدات الوهمية خوفًا وتوترًا شديدين، مما يؤدي إلى معاناة نفسية قد تؤثر على العلاقات الشخصية والمهنية.
- الهلوسة: قد يعاني بعض المرضى من هلوسات سمعية أو بصرية تُعزز لديهم قناعتهم بوجود شخص متنكر.
- اضطرابات النوم وضعف الذاكرة: تظهر أحيانًا صعوبات في النوم أو تراجع في القدرات الإدراكية والذاكرة.
- الانسحاب الاجتماعي: نتيجة الخوف والارتباك، قد ينعزل المصاب عن محيطه لتجنّب المواقف التي تزيد من شعوره بالتهديد.
ورغم أن هذه الأعراض قد تبدو واقعية للمريض، فإن الأشخاص الذين يعتقد أنهم يتنكرون أو يحاولون إيذاءه لا يفعلون ذلك في الحقيقة، مما يستدعي تدخّلًا طبيًا لفهم الحالة وتشخيصها بدقة.
هل يمكن علاج متلازمة فريجولي؟
لا يوجد علاج واحد يناسب جميع حالات متلازمة وهم فريجولي، إذ يعتمد التدخل العلاجي على شدة الأعراض وسبب الحالة، وغالبًا ما يتطلب التعامل معها خطة علاجية متكاملة تشمل الأدوية والعلاج النفسي، مع تعديلات فردية حسب استجابة المريض.
العلاج الدوائي
- تُعد الأدوية المضادة للذهان حجر الأساس في علاج متلازمة فريجولي، إذ تُخفف من الأوهام والاضطرابات الإدراكية المصاحبة، ومن الأمثلة الشائعة: الريسبيريدون والأولانزابين.
- قد تُستخدم مضادات الاكتئاب مثل: مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (SSRIs) إذا كان الاكتئاب عاملًا مرافقًا، بينما تُضاف مثبتات المزاج كدواء الليثيوم عند وجود اضطرابات مزاجية.
- في بعض الحالات، قد يُعدل الطبيب نوع أو جرعة الدواء، خاصةً إذا كانت الأعراض ناتجة عن أدوية أخرى مثل “ليفودوبا”، للوصول إلى توازن علاجي يناسب المريض.
العلاجات النفسية والسلوكية
- العلاج السلوكي المعرفي (CBT): يساعد المريض على فهم أفكاره المشوّهة وتغييرها، واكتساب استراتيجيات جديدة للتأقلم مع القلق والضيق.
- العلاج النفسي الداعم: يوفّر مساحة آمنة للتعبير عن المشاعر، ويُعزّز المرونة النفسية والثقة بالنفس.
- العلاج الأسري: يهدف إلى توعية الأسرة بطبيعة الاضطراب وتزويدهم بطرق عملية لدعم المريض والتعامل معه بفعالية.
- مجموعات الدعم: تُمكّن المرضى من التواصل مع آخرين يمرون بتجارب مشابهة، مما يُخفّف الإحساس بالعزلة ويُعزز الدعم العاطفي.
عوامل مساعدة إضافية
- يُساهم اتباع نمط حياة صحي يشمل التغذية المتوازنة، والنوم الكافي، وممارسة الرياضة، وتقنيات إدارة التوتر في دعم الاستقرار النفسي وتحسين جودة الحياة.
بشكل عام، يُعدّ العلاج المبكر والمتكامل أفضل وسيلة للسيطرة على أعراض متلازمة وهم فريجولي وتحسين قدرة المريض على التكيّف والعيش باستقرار.
كيفية التعامل مع مريض متلازمة فريجولي
يتطلّب التعامل مع مريض متلازمة وهم فريجولي الكثير من الهدوء والتفهّم، فالمصاب يعيش واقعًا مختلفًا يشعر فيه بالخوف والشك، لذلك، فإن الطريقة التي يتعامل بها المحيطون معه تؤثر بشكل كبير على استقراره النفسي وسلوكه اليومي.
نصائح للتعامل اليومي
- كن صبورًا ومتفهّمًا: لا تحاول إقناع المريض بأن أفكاره غير صحيحة، فذلك قد يزيد من توتره، وبدلاً من ذلك، أظهر تعاطفك واستمع له بهدوء.
- حافظ على روتين ثابت وواضح: التغيرات المفاجئة في البيئة أو المواعيد قد تثير القلق أو ردود فعل عدوانية، بينما الروتين اليومي يساعده على الشعور بالأمان.
- استخدم لغة بسيطة ومباشرة: تجنّب النقاشات المعقدة أو الجدل، وتحدث معه بجمل قصيرة وواضحة لتهدئته وتبسيط التواصل.
- راقب لغة الجسد والسلوك: ملاحظة علامات التوتر مثل: العصبية أو الانسحاب تساعد على التدخل المبكر وتهدئة الموقف قبل تفاقمه.
الدعم النفسي والاجتماعي
- شجّعه على التعبير عن مشاعره: قد يجد المريض صعوبة في وصف مشاعره، لذا يمكن استخدام أسئلة بسيطة مثل “هل تشعر بالراحة الآن؟” أو “ما الذي يزعجك؟” لفتح الحوار بلطف.
- شجع على ممارسة الأنشطة المهدئة: مثل المشي أو الهوايات المفضلة، فهي تخفف التوتر وتحسّن المزاج.
- ساعده على بناء علاقات اجتماعية آمنة: بتشجيعه على التواصل مع أشخاص موثوقين أو الانضمام إلى مجموعات دعم، مع تجنّب البيئات المجهدة أو المزدحمة.
- درّبه تدريجيًا على مهارات التواصل الاجتماعي: مثل الإنصات، واحترام المسافة الشخصية، والتفاعل اللطيف مع الآخرين، ضمن مواقف واقعية وبإشراف داعم.

علاج متلازمة فريجولي
دعم الأسرة والأصدقاء
- تثقّف حول الحالة: فهم طبيعة الوهم وأعراضه يمكّن المحيطين من التعامل بطريقة واقعية وهادئة دون تصعيد.
- اطلب الدعم المهني عند الحاجة: من المهم المتابعة مع طبيب نفسي أو معالج سلوكي لتلقي الإرشاد المناسب للأسرة والمريض.
- اعتني بنفسك أيضًا: التعامل مع شخص يعاني من اضطراب ذهني قد يكون مرهقًا، لذا من الضروري أن يحصل أفراد الأسرة على دعم نفسي للحفاظ على توازنهم العاطفي
المصادر:
اترك تعليقاً
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *