image image

متلازمة مونخهاوزن: كيف يتظاهر المريض بالمرض؟

متلازمة مونخهاوزن: كيف يتظاهر المريض بالمرض؟

image
هل سبق أن سمعت عن شخص يختلق قصةً كاملةً عن مرضه، أو حتى يؤذي نفسه عمدًا ليحصل على اهتمام الأطباء والمحيطين به؟ قد يبدو الأمر غريبًا، ولكنه حقيقةٌ مؤلمةٌ تسمى “متلازمة مونخهاوزن”، هي متلازمة أثبتت أنه ليست كل الأمراض ناتجة عن فيروس أو خلل عضوي، فبعضها ينبع من أعماق النفس البشرية، وتجعل الأطباء أمام تحدٍّ معقّد: كيف يميزون بين المريض الحقيقي ومن يصطنع الألم؟ تابع قراءة هذه المقالة لتعرف أكثر عن متلازمة مونخهاوزن، وأسبابها وأعراضها وطرق علاجها.

ما هي متلازمة مونخهاوزن؟

متلازمة مونخهاوزن، المعروفة طبيًا باسم “الاضطراب المُصطنع المفروض على الذات”، هي اضطراب نفسي يُقدِم فيه الشخص بشكل متكرر ومتعمّد على التظاهر بالمرض أو إحداثه في نفسه دون وجود دافع مادي أو مكسب عملي واضح، الغاية الأساسية من هذا السلوك هي جذب انتباه الآخرين والحصول على الرعاية الطبية والتعاطف، وليس تحقيق منافع ملموسة مثل الحصول على مال أو إعفاء وظيفي. تُعد هذه المتلازمة أحد أشد أشكال الاضطرابات المُصطنعة، إذ قد تدفع المصاب أحيانًا إلى التنقل بين المستشفيات أو الخضوع لإجراءات طبية غير ضرورية، مما يجعلها حالة خطيرة يمكن أن تصل إلى حد إيذاء النفس عمدًا. سُمّيت المتلازمة بهذا الاسم نسبةً إلى البارون الألماني فون مونخهاوزن في القرن الثامن عشر، الذي اشتهر بسرد قصص مبالغ فيها وغير واقعية عن مغامراته، ليُصبح اسمه لاحقًا رمزًا للتزييف المتعمد في هذا السياق الطبي.
ما هي متلازمة مونخهاوزن

ما هي متلازمة مونخهاوزن

أعراض متلازمة مونخهاوزن

تتظاهر متلازمة مونخهاوزن بعدة أنماط سلوكية وعلامات تشير إلى أن الشخص يقصد إظهار أو إحداث المرض، ومن الشائع أن تكون هذه السلوكيات متعمّدة ومنظمة، وقد تستمر رغم غياب فائدة واضحة أو وجود أدلة تدحض الادعاءات.

أنماط السلوك الشائعة

  • التظاهر بأعراض جسدية: مثل الشكوى من صداع مستمر، ألم بالمعدة أو الصدر، أو أعراض جسمية أخرى لا توجد مبررات طبية واضحة لها.
  • التظاهر بأعراض نفسية: مثلاً الادعاء بسماع أصوات أو رؤية أشياء غير موجودة.
  • التسبب بالمرض عمدًا أو إظهار أعراض مصطنعة: مثال ذلك تلويث جرح لمنع التئامه أو إدخال مواد ملوِّثة عمداً، إخفاء الأدوية أو بصقها بدل تناولها، أو تناول أطعمة ملوثة لإثارة استفراغ.
  • السعي المتكرر للحصول على فحوصات وإجراءات طبية: بما في ذلك طلب عمليات جراحية أو اختبارات مؤلمة دون مبرر واضح.

علامات قد ترافق السلوك

  • إتقان معرفة بالمصطلحات الطبية وبروتوكولات الرعاية الصحية.
  • أعراض غامضة أو متغيرة وغير متسقة مع نتائج الفحوصات.
  • تفاقم الحالات دون سبب طبي واضح أو عدم استجابة متوقعة للعلاج.
  • القدرة على إخفاء الكذب وبذل جهد كبير لإقناع الآخرين بالمرض.
  • تغيير أو تزوير اختبارات تشخيصية (مثل: تلويث عينات البول).
  • الظهور والمتابعة لدى عدد كبير من مرافق الرعاية الصحية أو التنقّل بين مستشفيات ومقدمي رعاية مختلفين (أحيانًا باسم مستعار).
  • مقاومة التواصل بين الطاقم الطبي وأفراد العائلة أو رفض السماح بمقابلتهم.
  • وجود ندوب جراحية متعددة أو آثار عمليات متكررة، وبقاء لفترات طويلة في المستشفى مع قلة زيارات الزوار.
  • الجدل أو السلوك المتلاعب مع مقدمي الرعاية الصحية.
ملحوظة مهمة:
  • قد يكون من الصعب التمييز بين المرض الحقيقي والتظاهر، ولذلك يتطلب التقييم تعاونًا حساسًا بين الأطباء والأخصائيين النفسيين، مع مراعاة سلامة المريض وضرورة استبعاد الأسباب العضوية قبل استنتاج التظاهر المرضي.

أسباب متلازمة مونخهاوزن

لا يُعرف السبب الدقيق لمتلازمة مونخهاوزن، فهي حالة معقدة وغير مفهومة بالكامل، ومع ذلك، تشير الدراسات إلى أن تطورها قد يرتبط بمزيج من العوامل النفسية والبيولوجية والاجتماعية. من أبرز العوامل المحتملة:
  • تجارب الطفولة الصادمة:
    • مثل: الإهمال، أو التخلي من الوالدين، أو التعرض للإساءة الجسدية أو العاطفية.
    • كما أن الإصابة بأمراض متكررة أو الخضوع لإجراءات طبية مكثفة في الطفولة قد تترك أثرًا يجعل الشخص يربط الرعاية الطبية بالاهتمام والطمأنينة.
  • اضطرابات الشخصية:
    • وتشمل اضطراب الشخصية الحدية (صعوبة التحكم في المشاعر والعلاقات)، اضطراب الشخصية النرجسية (الحاجة للشعور بالتميز والخوف من فقدان القيمة)، واضطراب الشخصية المعادية للمجتمع (التلاعب بالآخرين والشعور بالقوة والسيطرة).
    • هذه الاضطرابات قد تدفع الشخص إلى تبني دور “المريض” كوسيلة لبناء هوية أو للحصول على دعم اجتماعي.
  • الدوافع النفسية الداخلية:
    • مثل الرغبة في أن يكونوا محور الاهتمام، أو في أن يتولى الآخرون مسؤولية رعايتهم، أو لتقليل القلق المرتبط بالخوف من الهجر.
    • في بعض الحالات يكون هناك ميل لا شعوري لمعاقبة الذات بسبب مشاعر بعدم الجدارة.
  • العوامل البيولوجية: يدرس الباحثون دور كيمياء الدماغ والتركيب الجيني في زيادة القابلية للإصابة بالمتلازمة.
من المهم الإشارة إلى أن المصابين بهذه الحالة عادةً يدركون أنهم يتظاهرون بالمرض، ولكنهم لا يفعلون ذلك لتحقيق مكاسب مادية مباشرة، بل بدافع حاجات نفسية وعاطفية عميقة قد لا يكونون واعين لها بشكل كامل.

متلازمة مونشهاوزن بالوكالة

متلازمة مونشهاوزن بالوكالة، أو كما تُعرف طبيًا باسم “الاضطراب المفتعل المفروض على شخص آخر”، هي اضطراب نفسي خطير يُعد شكلًا من أشكال الإساءة، يقوم فيه مقدم الرعاية -وغالبًا ما تكون الأم- باختلاق أعراض مرضية أو التسبب عمدًا في مشكلات صحية لدى شخص تحت رعايته، مثل: طفل صغير (عادةً دون سن السادسة)، أو شخص من ذوي الإعاقة، أو حتى أحد كبار السن، والهدف من ذلك هو لفت الانتباه أو الحصول على تقدير من الفريق الطبي، وليس لتحقيق مكاسب مادية مباشرة. هذا السلوك قد يؤدي إلى عواقب خطيرة، إذ يخضع الضحية لفحوصات أو إجراءات طبية غير ضرورية وربما محفوفة بالمخاطر، ويُلاحَظ أن معظم مقدمي الرعاية الذين يعانون من هذه المتلازمة يمتلكون معرفة طبية واسعة، ويظهِرون التزامًا مبالغًا فيه تجاه المريض، مما يجعل اكتشاف الحالة وتشخيصها أمرًا صعبًا على الأطباء. الأسباب الدقيقة غير مفهومة تمامًا، ولكن يُعتقد أن بعض المصابين قد يكونون تعرضوا لسوء معاملة في طفولتهم، أو أصيبوا سابقًا بمتلازمة مونشهاوزن بشكلها التقليدي (الادعاء بالمرض لأنفسهم).

علاج متلازمة مانشهاوزن

يُعد علاج متلازمة مانشهاوزن صعبًا ومعقدًا، إذ غالبًا ما يرفض المصابون الاعتراف بوجود مشكلة لديهم أو يرفضون التعاون مع خطط العلاج، ويرجع ذلك إلى أن هدفهم الأساسي هو لعب دور المريض، مما يجعل المواجهة المباشرة أو اتهامهم بالتزييف أمرًا قد يدفعهم للانسحاب والبحث عن رعاية في مكان آخر. لذلك يوصي الخبراء عادةً باتباع نهج لطيف وغير تصادمي، يركز على تقليل الضرر الناتج عن الفحوصات أو العلاجات غير الضرورية، مع محاولة توجيه الشخص تدريجيًا نحو الرعاية النفسية، الهدف الأول للعلاج هو الحد من السلوكيات الضارة وإساءة استخدام الموارد الطبية، ثم معالجة الأسباب النفسية الكامنة. لا يوجد بروتوكول علاجي موحّد لهذه الحالة، ولكن هناك عدة استراتيجيات أثبتت فاعليتها نسبيًا، أهمها:
  • وجود طبيب رعاية صحية أولية: يُفضل أن يتابع المريض طبيب واحد لتقليل الفحوصات أو العلاجات المتكررة وغير الضرورية، وضمان خطة علاج متناسقة.
  • العلاج النفسي: يشمل العلاج بالكلام، والتحليل النفسي، والعلاج السلوكي المعرفي (CBT) الذي يساعد المريض على التعرف إلى أنماط التفكير والسلوك غير الواقعية واستبدالها بمعتقدات أكثر توازنًا.
  • العلاج الأسري والجماعي: قد يُفيد في توعية الأسرة بكيفية التعامل مع المريض وتجنب تعزيز سلوكياته المرضية، كما يخفف العلاج الجماعي من مشاعر العزلة.
  • الأدوية: لا تعالج المتلازمة نفسها، ولكنها قد تُستخدم لعلاج مشكلات مصاحبة مثل: الاكتئاب أو القلق.
  • العلاج بالمستشفى: في الحالات الشديدة، قد تستلزم الإقامة القصيرة في مستشفى للصحة النفسية لحماية المريض ووضع خطة علاجية أكثر أمانًا.
علاج متلازمة مانشهاوزن

علاج متلازمة مانشهاوزن

في النهاية، يظل الهدف الأساسي من العلاج هو تقليل الأضرار وتحسين جودة الحياة والقدرة على العمل، أكثر من محاولة “شفاء” الاضطراب تمامًا، وعندما تكون المتلازمة مفروضة على الآخرين (متلازمة مونشهاوزن بالوكالة)، يُصبح التدخل أكثر صرامة، وقد يتطلب تقييم الحالة كإساءة وإبلاغ السلطات المختصة لحماية الطفل أو الطرف المتضرر.

المصادر:

شارك معنا :

موضوعات قد تهمك

image

ما هو اضطراب تشوه ...

اضطراب تشوه الجسم هو أحد الاضطرابات النفسية التي ينشغل فيها الشخص بشكل مفرط بعيبٍ يراه في مظهره الجسدي، وقد يكون ...

اقرأ المزيد
image

هل الكاثينون يسبب الذهان؟ ...

الكاثينون هو أحد المواد المنبهة التي تؤثر بشكل مباشر على الجهاز العصبي المركزي، ويُستخلص أساسًا من نبات القات، كما يمكن ...

اقرأ المزيد
image

تعب بلا سبب .. ...

بعض الأشخاص قد يشعرون بإرهاقٍ لا يزول حتى بعد نومٍ طويل أو الحصول على راحةٍ تامة، وقد يستمر هذا الشعور ...

اقرأ المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *