يُعدّ اضطراب ثنائي القطب (Bipolar Disorder) من الاضطرابات النفسية التي تؤثر على المزاج بشكلٍ كبير، حيث يعاني المصابون به من تقلبات حادة بين فترات من الهوس أو النشاط الزائد وفترات من الاكتئاب. يتراوح هذا المرض بين درجات مختلفة من شدة الأعراض، ويمكن أن يكون لها تأثيرات واسعة على الحياة اليومية للفرد. عند النساء، يظهر اضطراب ثنائي القطب بخصائص مميزة، حيث يتأثر بشكل كبير بالتغيرات الهرمونية المرتبطة بالدورة الشهرية، الحمل، والولادة، ما يؤدي إلى تعقيد الأعراض ويزيد من صعوبة تشخيص المرض وإدارته.
تواجه النساء المصابات بثنائي القطب تحديات إضافية بسبب طبيعة الأعراض والتغيرات المزاجية التي قد تتفاقم خلال مراحل معينة من الحياة. فمثلًا، يمكن أن يؤدي الحمل والولادة إلى تغيرات مفاجئة في الحالة المزاجية، حيث تزيد هذه الفترات من خطر حدوث نوبات هوس أو اكتئاب. كما قد تساهم ضغوط الحياة اليومية والمسؤوليات الإضافية في زيادة التوتر وتقلب المزاج، مما يجعل من الصعب على النساء الحفاظ على الاستقرار نفسي. لذلك، يتطلب التعامل مع هذا الاضطراب عند النساء متابعة طبية مستمرة وتعديلات دقيقة في العلاج بما يتناسب مع الاحتياجات الفردية لكل حالة. لذا إليكم كل التفاصيل في المقالة الآتية حول مرض ثنائي القطب عند النساء: الأسباب والأعراض.
ما هو مرض ثنائي القطب؟

ما هو مرض ثنائي القطب
مرض ثنائي القطب هو اضطراب نفسي يتميز بتقلبات حادة في المزاج، تشمل فترات من الهوس أو النشوة (المزاج المرتفع والطاقة الزائدة) وفترات من الاكتئاب الشديد (المزاج المنخفض وفقدان الاهتمام بالحياة). تتفاوت شدة هذه التقلبات من شخص لآخر، حيث يمكن أن تستمر النوبات من أيام إلى أسابيع أو حتى أشهر، وتؤثر بشكل ملحوظ على حياة المصاب اليومية، علاقاته، وقدرته على العمل. على الرغم من أن السبب الدقيق للمرض غير معروف، إلا أنه يُعتقد أن عوامل وراثية وبيئية تلعب دورًا في تطوره. يعتمد علاج اضطراب ثنائي القطب بشكل أساسي على الأدوية والعلاج النفسي لمساعدة المرضى في الحفاظ على استقرار المزاج وتقليل شدة النوبات.
أسباب مرض ثنائي القطب:
أسباب مرض ثنائي القطب ليست واضحة تمامًا، ولكن هناك عدة عوامل تلعب دورًا في تطوره، منها العوامل الوراثية. إذ تظهر الدراسات أن الأشخاص الذين لديهم تاريخ عائلي للمرض أو لاضطرابات نفسية أخرى، مثل الاكتئاب، يكونون أكثر عرضة للإصابة به. يُعتقد أن بعض الجينات المعينة قد تساهم في زيادة القابلية لهذا الاضطراب، على الرغم من أن ثنائي القطب لا يُعزى إلى جين واحد بعينه، بل هو نتاج تفاعل جيني معقد.
تلعب العوامل البيولوجية أيضًا دورًا مهمًا في اضطراب ثنائي القطب، حيث تشير الأبحاث إلى أن هناك اختلافات في بنية الدماغ ووظيفته لدى الأشخاص المصابين مقارنةً بغيرهم. هذه التغيرات تشمل مناطق مسؤولة عن تنظيم العواطف والمزاج، مثل اللوزة الدماغية والقشرة الجبهية. كما وُجد أن اختلالات في بعض النواقل العصبية، مثل الدوبامين والسيروتونين، قد تؤدي إلى اضطرابات في المزاج وتؤثر على الاستجابة للعلاج.
يمكن أن تسهم العوامل البيئية والنفسية كذلك في تحفيز اضطراب ثنائي القطب لدى من لديهم استعداد وراثي له. فالتعرض لضغوط شديدة، مثل فقدان شخص عزيز، أو تغيرات كبيرة في الحياة، أو التعرض لصدمات نفسية، قد يحفز نوبات الهوس أو الاكتئاب. إضافة إلى ذلك، فإن نمط الحياة غير المستقر، مثل قلة النوم أو تعاطي المخدرات، يمكن أن يفاقم الأعراض ويزيد من تكرار النوبات.
أعراض ثنائي القطب عند النساء:
أعراض اضطراب ثنائي القطب لدى النساء تتنوع بين فترات من الهوس وفترات من الاكتئاب، وتختلف في شدتها وتواترها من شخص لآخر. أثناء نوبات الهوس، قد تشعر المرأة بطاقة مفرطة، وحالة من النشوة أو السعادة الغامرة، وقد تتصرف باندفاع، وتتخذ قرارات دون التفكير في العواقب، مثل الإنفاق الزائد أو الانخراط في سلوكيات محفوفة بالمخاطر. كما قد تواجه صعوبة في النوم، أو تشعر بقلة الحاجة له، وترتفع لديها سرعة التفكير والكلام، مما يجعل من الصعب على الآخرين مواكبة حديثها.
أما خلال فترات الاكتئاب، فقد تشعر المرأة بفقدان كبير للطاقة، وحالة من الحزن أو الفراغ المستمر، مما يؤثر على قدرتها على القيام بالمهام اليومية البسيطة. قد تشعر أيضًا بعدم الاهتمام بالأشياء التي كانت تستمتع بها سابقًا، ويميل التفكير لديها إلى السلبية، مع إمكانية الشعور بالذنب أو عدم القيمة. في حالات الاكتئاب الحادة، قد يصل الشعور باليأس إلى حد التفكير في إيذاء النفس أو حتى الانتحار.
تتأثر أعراض اضطراب ثنائي القطب عند النساء غالبًا بالتغيرات الهرمونية، والتي يمكن أن تزيد من شدة الأعراض وتواترها. خلال فترات الدورة الشهرية، أو الحمل، أو بعد الولادة، قد تعاني المرأة من زيادة ملحوظة في تقلبات المزاج. فمثلًا، بعد الولادة، يمكن أن تزداد نوبات الاكتئاب حدة بسبب انخفاض الهرمونات، مما يستدعي متابعة دقيقة للسيطرة على الأعراض خلال هذه الفترات.
بالإضافة إلى ذلك، تميل النساء المصابات بثنائي القطب إلى تكرار نوبات الاكتئاب أكثر من نوبات الهوس مقارنةً بالرجال، ما يجعلهن أكثر عرضة للمضاعفات المرتبطة بالاكتئاب المزمن، مثل القلق واضطرابات النوم. كما أن النساء غالبًا ما يتعرضن لنوبات مختلطة، حيث تتزامن مشاعر الحزن مع الإثارة أو القلق، مما يزيد من تعقيد الحالة وصعوبة العلاج في بعض الأحيان.
علاج ثنائي القطب عند النساء:

علاج ثنائي القطب عند النساء
يعتمد علاج اضطراب ثنائي القطب عند النساء على خطة شاملة تجمع بين الأدوية والعلاج النفسي بهدف السيطرة على تقلبات المزاج وتقليل حدة النوبات. تشمل الأدوية المستخدمة مثبتات المزاج، مثل الليثيوم، ومضادات الذهان، وأحيانًا مضادات الاكتئاب تحت إشراف طبي دقيق، حيث يساعد الجمع بين الأدوية في تحقيق استقرار المزاج وتجنب التقلبات الشديدة. يُراعى في العلاج الجوانب الهرمونية، خاصة خلال فترات مثل الحمل وبعد الولادة، لضمان عدم تأثير الأدوية سلبًا على الصحة العامة للمرأة أو الجنين.
إلى جانب العلاج الدوائي، يُعد العلاج النفسي جزءًا أساسيًا من إدارة اضطراب ثنائي القطب عند النساء، مثل العلاج السلوكي المعرفي (CBT) الذي يركز على تعديل الأفكار السلبية وتحسين مهارات التأقلم مع الضغوط. تساعد هذه الجلسات في تعزيز الوعي الذاتي لدى المرأة وتمكنها من التعرف على العلامات المبكرة للنوبات، مما يسهم في السيطرة على الأعراض بشكل أفضل. كما ينصح الأطباء باتباع نمط حياة صحي يشمل ممارسة الرياضة بانتظام، والالتزام بروتين نوم ثابت، والابتعاد عن الكحول والمنبهات، فهذه التغييرات تساهم في استقرار المزاج وتحسين جودة الحياة بشكل عام.
هل مرض ثنائي القطب خطير؟
نعم، مرض ثنائي القطب يُعتبر خطيرًا نظرًا لتأثيره الكبير على الحياة اليومية والعلاقات الاجتماعية للشخص المصاب. فالتقلبات الحادة بين نوبات الهوس والاكتئاب يمكن أن تؤدي إلى سلوكيات غير متوقعة، مثل الاندفاع واتخاذ قرارات متهورة، مما قد يعرض الشخص لمخاطر مالية واجتماعية وصحية. في نوبات الهوس، قد ينخرط الشخص في سلوكيات ضارة أو محفوفة بالمخاطر، مثل القيادة بسرعة أو إنفاق الأموال بلا حساب، دون تقدير للعواقب، ما يزيد من احتمالية التعرض للمشكلات.
تُعد نوبات الاكتئاب في اضطراب ثنائي القطب أيضًا خطيرة؛ حيث يعاني المصاب من مشاعر الحزن العميق واليأس، والتي قد تصل في بعض الأحيان إلى التفكير في إيذاء النفس أو الانتحار، خاصة إذا كانت النوبات شديدة أو مستمرة. كما يمكن أن يصاحب الاكتئاب مشكلات أخرى مثل القلق والتوتر، ما يزيد من تعقيد الحالة ويؤثر سلبًا على قدرة الشخص على ممارسة حياته اليومية بفعالية.
لتجنب هذه المخاطر، يحتاج مرضى ثنائي القطب إلى متابعة طبية وعلاج منتظم، بما يشمل الأدوية والعلاج النفسي. التدخل المبكر والعلاج المناسب يساعدان في السيطرة على الأعراض وتقليل احتمالات تفاقمها، مما يقلل من المخاطر ويتيح للمصاب فرصة أكبر للعيش حياة مستقرة.
مراجع:
https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/bipolar-disorder
https://www.mayoclinic.org/diseases-conditions/bipolar-disorder/diagnosis-treatment/drc-20355961
https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/bipolar-disorder
اترك تعليقاً
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *