في زوايا مظلمة من عالم المخدرات، ظهر مخدر جديد يُدعى “الفلاكا”، أو يُطلق عليه أيضًا “عقار الزومبي” سيئ السمعة، وهو ليس مجرد مخدر آخر يُضاف إلى القائمة السوداء، بل هو مادة تقتحم العقل والسلوك بأعراض قد تبدو أشبه بكوابيس اليقظة، وتُحوّل الإنسان إلى كائن غريب يسير على حافة الهاوية. تابع قراءة هذه المقالة لتعرف أكثر عن إدمان الفلاكا وأعراضه ومدى خطورته وطرق العلاج.
ما هي الفلاكا؟
الفلاكا، المعروفة أيضًا باسمها الكيميائي “ألفا-بي في بي” (α-PVP)، هي مخدر صناعي شديد الخطورة يُصنّف ضمن مجموعة “الكاثينونات الاصطناعية”، وهي مركّبات مُشتقة كيميائيًا من مادة الكاثينون الموجودة طبيعيًا في نبات القات.

ما هي الفلاكا؟
تُعد هذه المادة واحدة من المواد المؤثرة نفسيًا الجديدة (NPS)، والتي صُمّمت لمحاكاة تأثيرات بعض المخدرات المعروفة مثل: الكوكايين، والإكستاسي، والأمفيتامين.
يأخذ هذا المخدر شكل بلورات بيضاء أو وردية اللون، ويُعرف شعبيًا باسم “الحصى” (Gravel) بسبب شكله البلوري، ويستخدم بعدة طرق تشمل:
- البلع.
- الاستنشاق.
- الحقن.
- التبخير عبر السجائر الإلكترونية.
مما يجعل خطر الجرعة الزائدة كبيرًا جدًا، خصوصًا عند التبخير، إذ تدخل المادة مجرى الدم بسرعة كبيرة ولا يمكن التحكم بتركيزها.
أعراض تعاطي الفلاكا
تعد هذه المادة من المخدرات الصناعية رخيصة الثمن، مما يجعل تعاطيها جذابًا لذوي الدخل المحدود، ويمتد تأثيرها حتى 5 ساعات، أي أطول بكثير من الكوكايين.
يرتبط تعاطي هذه المادة المخدرة بظهور مجموعة من الأعراض السلوكية والنفسية الحادة التي تشبه تأثيرات الكوكايين وأملاح الاستحمام، ومن أبرز هذه الأعراض ما يلي:
- اليقظة وفرط النشاط.
- الانفعال الشديد والتصرفات الغريبة.
- التهيج والسلوك العدواني أو العنيف.
- جنون العظمة والذهان، المصحوب بأوهام وهلوسات سمعية وبصرية.
- نوبات من الهياج والارتباك الحاد.
- اندفاع اجتماعي مفرط، وأحيانًا تحفيز جنسي غير طبيعي.
- سلوكيات خطيرة مثل: إيذاء النفس أو الانتحار.
وقد تؤدي هذه التغيرات إلى مضاعفات نفسية واجتماعية خطيرة، خاصة عند تعاطي المادة بجرعات كبيرة، مما يزيد من احتمالية التسبب في إصابات أو صدمات غير مقصودة.
خطر الجرعة الزائدة
تمثل الجرعة الزائدة من هذا المخدر خطرًا كبيرًا، خصوصًا عند استخدامها عن طريق الاستنشاق أو التبخير الإلكتروني، إذ يصعب التحكم في الكمية الداخلة إلى الجسم، وتشمل أعراض الجرعة الزائدة ما يلي:
- تسارع شديد في ضربات القلب.
- اضطرابات عقلية حادة وفقدان السيطرة على التصرفات.
- سلوك عدواني أو عنيف غير مبرر.
- نوبات ذهان وهذيان حاد.
- ارتفاع شديد في درجة حرارة الجسم (قد تتجاوز 40 درجة مئوية).
- الذعر، أو النوبات، أو الدخول في حالة من الجنون المؤقت.
- خطر الوفاة المفاجئة نتيجة فشل كلوي، أو سكتات دماغية، أو مضاعفات قلبية.
الآثار الجانبية
تتسبب هذه المادة المخدرة، كونها من الكاثينونات الاصطناعية، في مجموعة من الآثار الجانبية النفسية والجسدية الخطيرة، من بينها:
- ارتفاع ضغط الدم ومعدل ضربات القلب.
- عدم انتظام ضربات القلب، ونوبات قلبية.
- اعتلال عضلة القلب وفشل عضوي (كلوي أو كبدي).
- ارتفاع الحرارة المفرط المرتبط بالجفاف، وانحلال العضلات (انحلال الربيدات)، وتلف الكلى.
- السلوك الاندفاعي، والتغيرات الشخصية، والعزلة الاجتماعية.
- الذهان والهلوسة المزمنة.
- خطر الإصابة بجلطات، أو تمدد الأوعية الدموية، أو الوفاة المفاجئة.
كيف تؤثر الفلاكا على المخ؟
تؤثر هذه المادة على الجهاز العصبي المركزي من خلال منع إعادة امتصاص مادتي: النورإبينفرين والدوبامين في الدماغ، مما يؤدي إلى تحفيز قوي ومفاجئ للجسم. وقد استُخدمت مركبات شبيهة في السابق لعلاج حالات مثل: اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط (ADHD) والخدار، إلا أن ألفا-بي في بي فقدت أي قيمة طبية وأُدرجت كمادة محظورة ذات قدرة عالية على الإدمان والإساءة.
هل تسبب الفلاكا نوبات هوسية؟
نعم، يمكن أن تُسبب هذه المادة المخدرة نوبات هوسية، خاصة عند تناول جرعات عالية، إذ إن الجرعات المرتفعة منها قد تُحاكي تأثيرات الكوكايين والميثامفيتامين، مما يؤدي إلى: الارتعاش، والأوهام، والهلوسة، وحتى النوبات. هذه التأثيرات تشير إلى حالات من الاضطراب العقلي الحاد قد تشمل نوبات هوسية شديدة أو سلوكيات غير واقعية، مما يجعلها خطيرة على الصحة العقلية والنفسية.
علاج إدمان الفلاكا
يُعدّ إدمان هذه المادة من الحالات المعقدة التي تتطلب تدخلًا طبيًا ونفسيًا متكاملًا، وتُعتبر برامج إعادة التأهيل الخيار الأفضل للمساعدة في التخلّص من هذا المخدر الخطير، وتشمل ما يلي:
- إزالة السموم (الديتوكس): يهدف إلى تخليص الجسم من الفلاكا بأمان، تحت إشراف طبي متخصص، مع استخدام أدوية داعمة لتخفيف أعراض الانسحاب.
- إعادة التأهيل الداخلي (السكني): يبقى المريض في مركز متخصص طوال فترة العلاج، مما يوفر بيئة داعمة وآمنة تُساعده على التركيز على التعافي بعيدًا عن المثيرات الخارجية.
- إعادة التأهيل الخارجي: يسمح للمريض بالبقاء في منزله مع الحضور المنتظم إلى جلسات العلاج في مراكز متخصصة، وهو مناسب للحالات المستقرة.
علاج الفلاكا بالأدوية
رغم عدم توفر أدوية محددة لعلاج إدمان هذا المخدر حتى الآن، إلا أن بعض الأدوية تُستخدم لمعالجة الأعراض المصاحبة للتسمم أو الانسحاب، مثل:
- البنزوديازيبينات: تُستخدم للسيطرة على الهياج والسلوك العدواني.
- النورإبينفرين الوريدي بجرعات منخفضة: يُعطى لتصحيح اضطرابات القلب وضغط الدم الناتجة عن التعاطي.
- علاج دوائي داعم: في بعض الحالات، يمكن استخدام أدوية لتقليل الرغبة في التعاطي أو لعلاج أعراض مثل: الذهان أو القلق، تحت إشراف طبي دقيق.
العلاج النفسي لمدمني الفلاكا
يلعب العلاج النفسي دورًا محوريًا في التعافي من إدمان هذه المادة المخدرة، ويشمل التالي:
- الاستشارات النفسية الفردية والجماعية: تساعد المرضى على التعبير عن مشاعرهم، وفهم جذور الإدمان، وبناء استراتيجيات مقاومة.
- إدارة الطوارئ: نظام قائم على الحوافز لتشجيع الامتناع عن التعاطي وتعزيز الالتزام بالعلاج.
- الرعاية المستمرة: يحتاج بعض المرضى إلى دعم طويل الأمد للوقاية من الانتكاس، وتعزيز الاستقرار النفسي والاجتماعي.
العلاج السلوكي المعرفي لإدمان الفلاكا
يُعدّ العلاج السلوكي المعرفي (CBT) من أكثر الأساليب فعالية في علاج إدمان هذا المخدر، وهو يركز على التالي:
- تعديل الأفكار والسلوكيات المرتبطة بالتعاطي.
- تعليم المريض كيفية التعامل مع المحفزات والمواقف الضاغطة دون اللجوء للمخدرات.
- تعزيز مهارات التكيّف وحل المشكلات، مما يُساعد في بناء نمط حياة صحي خالي من الإدمان.
كيف يمكن للمتعافين الحفاظ على تعافيهم من الفلاكا؟
التعافي من إدمان هذه المادة المخدرة يتطلب التزامًا مستمرًا واستراتيجية شاملة تجمع بين العلاج والدعم وتغيير نمط الحياة، إليك بعض النصائح التي تساعد على تعزيز التعافي ومنع الانتكاس:
1. خطة فعّالة للوقاية من الانتكاس
- تحديد المحفّزات الشخصية: كالأماكن أو الأشخاص أو الحالات النفسية التي قد تثير الرغبة في التعاطي، ومن المهم تجنبها أو تعلم كيفية التعامل معها بطرق صحية.
- استخدام آليات التكيّف: مثل ممارسة الرياضة، والرسم، والكتابة أو التحدث مع شخص موثوق لتخفيف التوتر والسيطرة على الرغبة في العودة للتعاطي.
2. العلاج النفسي والدعم المستمر
- العلاج السلوكي المعرفي (CBT): يساعد في تغيير الأفكار والسلوكيات المرتبطة بالإدمان، ويُعزز من قدرة الشخص على التعرّف على المحفّزات وتجنّبها.
- العلاج الجماعي والعائلي: يوفر بيئة داعمة تشجع على التواصل وتحسين العلاقات الشخصية.
- الاستعانة بمدرب تعافي: يقدم دعمًا عمليًا وإرشاديًا في الفترات الحساسة بعد التعافي، ويساعد في وضع خطة واقعية للحفاظ على التعافي.
3. نمط حياة صحي
- النشاط البدني المنتظم: خاصة التمارين الهوائية، تساهم في تقليل الرغبة وتعزز الصحة النفسية.
- نظام غذائي متوازن ونوم كافي: يدعمان الاستقرار العاطفي والطاقة اليومية.
- ممارسة هوايات مفيدة: مثل الفنون أو الأعمال اليدوية لملء وقت الفراغ والانشغال بما هو مفيد.
4. شبكة دعم قوية
- الانضمام إلى مجموعات الدعم التي توفر فرصًا للتواصل والتعلم من تجارب الآخرين.
- الدعم الأسري: من خلال التواصل والمشاركة في برامج العلاج العائلي، مما يساعد في بناء بيئة أكثر أمانًا وتشجيعًا.
5. استراتيجيات سريعة لمواجهة الرغبة
- التحضير للمواقف المحفزة: بوضع خطط بديلة مثل: ممارسة نشاط بدني، أو حضور اجتماع دعم، أو تطبيق تقنيات التنفس العميق.
- ممارسة اليقظة الذهنية: للحد من القلق وتنظيم المشاعر دون اللجوء للمخدر.
6. متابعة التقدّم وتعزيزه
- الاحتفال بالإنجازات: سواء بتوثيق التقدم في يوميات أو بالاحتفال بالمراحل المهمة في رحلة التعافي، مما يعزز التحفيز.
- مراجعة الخطة باستمرار: في حال الشعور بالضعف أو حدوث انتكاس، من الضروري مراجعة خطة الوقاية والتواصل مع مختص أو مجموعة دعم.
كيف تقي نفسك من إدمان الفلاكا؟
الوقاية دائمًا أفضل من العلاج، ويمكنك حماية نفسك من الوقوع في إدمان هذه المادة المخدرة من خلال:

كيف تقي نفسك من إدمان الفلاكا؟
- الوعي بمخاطر الفلاكا: فهم تأثير هذه المادة المخدرة الشديد والمدمّر على الدماغ والسلوك قد يكون رادعًا كافيًا.
- تجنّب البيئات المشبوهة: والابتعاد عن الأشخاص الذين يتعاطون أو يشجعون على التجربة.
- ملء أوقات الفراغ بنشاطات صحية: الفراغ والملل من أبرز دوافع التعاطي، لذا من المهم الانخراط في هوايات مفيدة أو نشاطات جماعية.
- الاعتماد على نظام دعم متماسك: من أصدقاء أو أفراد موثوقين أو مختصين يمكن التحدث معهم عند الحاجة.
- الاهتمام بالنفس: من خلال الرياضة، والتغذية الجيدة، والنوم المنتظم، مما يحسّن الحالة النفسية ويعزّز مناعة الفرد النفسية تجاه الإدمان.
الفلاكا ليست مجرد مخدر، بل تهديد حقيقي للصحة العقلية والجسدية، وخطرها لا يقتصر على الإدمان فقط، بل يمتد إلى إيذاء النفس والآخرين، وحتى الوفاة. التوعية بخطرها ومراقبة تداولها أمر بالغ الأهمية لحماية الأفراد والمجتمعات.
المصادر:
اترك تعليقاً
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *